التطبيقات الفقهية لقاعدة " الساقط لا يعود "

ملخص الرسالة

التطبيقات الفقهية لقاعدة " الساقط لا يعود "

في فقه الأسرة والجنايات والحدود والتعازير

مقدمة

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، من يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وبعد:

فإن من شمولية هذا الدين الحنيف وكماليته صلاحيته لكل زمان ومكان، وهذه الشريعة الإسلامية غنية بأصولها، وهي مكتملة بقواعدها وضوابطها، والدين الإسلامي قد بين أحكام العباد في كل دقيق وجليل من الأمور الدينية، فإذا تأملنا فيه، نجد كل حكم يتعلق بالحياة البشرية سواء كان من العبادات أو المعاملات قد بينته الشريعة، وذلك لأنها جاءت من رب العالمين، قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، ومن الأحكام التي تتحدث عنها الشريعة، الإسقاط أو الإبراء عن الحق أي العفو عن الحق الآدمي.

ونظراً لأهمية القواعد الفقهية، ولما ورد في الشريعة الإسلامية من نصوص سواءً كانت من الكتاب أو السنة تدل على الإسقاط والإبراء فقد أدخل الفقهاء ضمن القواعد الفقهية: قاعدة "الساقط لا يعود"، وهذه القاعدة مستنبطة من النص الشرعي، فالشريعة تحث على العفو وإسقاط الحق، فقد جاء في القرآن الكريم الإبراء بلفظ الصدقة بقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ﴾ [النساء: 92].

وأيضاً هناك إشارة إلى الحث على الإسقاط والإبراء في قوله - جل وعلا -: ﴿ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 237].

وكذلك ورد في السنة المطهرة ما يحث على العفو وإسقاط الحق أو بعضه منها:

ما روي عن عبدالله بن كعب عن أبيه أنه تقاضى ابن أبي حدرد[1] ديناً كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج حتى كشف ستر حجرته فقال: "يا كعب ضع من دينك هذا وأشار إليه الشطر" قال نعم فقضاه[2].

والجدير بالذكر أن علماء هذه الأمة قد بذلوا جهوداً جبارة لتيسير فهم الشريعة الإسلامية، فاستنبطوا من النصوص الشرعية قواعد وضوابط تجمع المسائل المتفرقة وتعين المرء المسلم على الوصول إلى الحكم الشرعي في مسائل مستجدات على مرور الزمان، وهناك قواعد كلية كبرى متفق عليها بين الفقهاء في الجملة، وهناك قواعد صغرى بعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه، ومن ضمن القواعد الصغرى "الساقط لا يعود" وهي قاعدة فقهية قليلة الألفاظ كثيرة المعاني، وتدخل تحت هذه القاعدة مسائل كثيرة، وتتفرع عنها فروع فقهية متعددة.

وقد رأيت أن علم القواعد الفقهية مجال خصب لبحثي، لأنه مما يسهل للمتعلم الإحاطة بأصول الشريعة فيفيده في معرفة جزئياتها، وجمع المسائل المتفرقة، واستنباط الأحكام في النوازل الفقهية، ثم إنني أردت في هذا البحث إبراز "التطبيقات الفقهية لقاعدة الساقط لا يعود- في فقه الأسرة والجنايات والحدود والتعازير".

والمقصود من الإسقاط هو إسقاط حق آدمي،لأن حق الله -تعالى- لا يملك أحد إسقاطه، فلو أن إنساناً أسقط حقاً من حقوقه باختياره ثم أراد أن يعود نقول: لا، لأن الساقط لا يعود، ولأنه أقر بسقوط هذا الحق ثم أراد الرجوع فيه فلا يمكن.

وقد يعود الحق بعد سقوطه مع وجود المقتضي للحكم وزوال المانع، فمتى زال المانع مع وجود المقتضي عاد الحكم، مثاله: تسقط نفقة الزوجة بالنشوز، والولاية بالجنون ثم تعود بزوال ذلك، فكل ما يتعلق بإسقاط حقوق العباد سأتحدث عنه بإذن الله تعالى.

فأسأل الله العلي القدير التوفيق والسداد، وأن يوفقنا سبحانه للعلم النافع والعمل الصالح إنه سميع مجيب.

فهرس الموضوعات